قراءة في نظام المجموعات الصغيرة بالكشفية
لنكتشف حياة الطليعة
بين المفهوم المتداول في أوساط الأطفال وبين المفهوم البيداغوجي
أولا : المفهوم المتداول بين الكشافة :
تعد الطلائع أو المجموعات الصغيرة من الأركان الأساسية للطريقة الكشفية، بهدف اندماج الفرد في الحياة الاجتماعية، إذ تمثل الجماعة للأفراد المجتمع الصغير الذي يشعر فيه باستقلاليتهم وحريتهم كجماعة من الأقران يكونون كيانا خاص بهم. يطبق هذا النظام في جميع مراحل الحركة الكشفية (الأشبال / الكشافة / المتقدم / الجوالة ) وفقاً لما يلي :
• تتكون كل طليعة ما بين 3 و8 أفراد وفقاً للمرحلة العمرية ؛
• يرأس الطليعة فرد منها يتم تعيينه بواسطة قائد الوحدة بعد أن يختاره زملاءه ؛
• ويتولى رئاسة الوحدة احد أعضاءه (عريف العرفاء) يتم اختياره بواسطة القائد عرفاء الطلائع ؛
الهدف من نظام الطلائع :
الهدف من نظام الطلائع هو تحقيق الانتماء للجماعة وللوحدة (الجماعة الأكبر)، لغرس قيم واتجاهات تربوية من خلال بناء علاقاتهم وتفاعلاتهم، وإتاحة فرص التدريب على القيادة والتخطيط والتنظيم والعمل الجماعي والاعتماد على النفس، والشعور بالمسؤولية من خلال :
التعاون في الفكر والعمل ؛
إنكار الذات ؛
البحث الجماعي عن المعرفة ؛
تحمل المسؤولية ؛
الدفاع عن رأي الجماعة ؛
ممارسة الديمقراطية ؛
اتخاذ القرار فيما يتعلق بالمستجدات ؛
غرس روح التعاون والتآزر ؛
صقل مواهب وقدرات الكشافة وتنميتها ؛
الاحساس بالانتماء للمجموعة.
ما هي الطليعة ؟
هي مجموعة من الكشافة في مرحلة عمرية متقاربة، توزع المسؤوليات فيما بينهم، يسود بينهم جو التعاون والتضامن والتكامل ، لتحقيق أهداف محددة، والطليعة جزء من الفرقة، التي تتكون هي الأخرى من مجموعة طلائع. يتكون مجلس الكتيبة من قائد الوحدة ومساعديه وعريف العرفاء وعرفاء الطلائع، ويتولى المجلس المهام التالية :
• وضع خطة وبرنامج الوحدة ومتابعة تنفيذها ؛
• متابعة تقدم الأفراد في درجات الترقي وشارات الهوايات ؛
حل المشكلات التي تقابل الكتيبة والأفراد.
تكوين الطليعة:
كيان الطليعة :
يتم تكوين كيان الطليعة انطلاقا من إطلاق اسم يميزها عن الطلائع الأخرى، وترمز بذلك لكيانها كمجموعة ذات شخصية مستقلة، لها اسمها وصيحتها وعلمها وشارتها، التي تمثل رمز المجموعة ومقومات الانتماء لها. ولها خطة عملها كي تتقدم في عملها وتتمكن من تحقيق أفضل النتائج عبر الأدوار والمسؤوليات الواضحة لكل فرد بالطليعة، كي يتمكن من تفعيل مهاراته وإبداعه في في حدود مهام يبنى على أساسها دوره في الطليعة .
مهام أفراد الطليعة :
تعتبر عملية توزيع المهام داخل الطليعة خطوة مهمة لتأسيس كيانها، وتحقيق انسجامها، وتفعيل حكامة تدبيرها لشؤونها بشكل تشاركي، عبر تفعيل المهام وفق مواصفات محددة تمكن المجموعة من التفاعل بايجابية من خلال احترام المهام التالية :
1/ عريف الطليعة :
- يقود الطليعة ويتابع مهام وأعمال أفرادها.
- يشرف على تخطيط وتنفيذ البرامج مع أفراد الطليعة.
- يدير اجتماعات الطليعة ويشرف على أنشطتها.
- يمثل الطليعة في مجلس الشرف ويمثل مجلس الشرف في الطليعة.
- يرتقي بطليعته ويحافظ على سمعتها.
- يقوم بتدريب أفراد طليعته على المهارات والفنون التي اكتسبها.
2/نائب العريف :
- قيادة الطليعة أثناء غياب العريف.
- مساعدة العريف في جميع أعمال الطليعة.
3/ سكرتير الطليعة :
- حفظ سجل المجلس.
- تسجيل أسماء الحاضرين والغائبين في الاجتماعات والأنشطة.
- إعداد البوم صور الطليعة.
- إعداد المكاتبات والمراسلات والتقارير.
4/أمين الصندوق :
- إعداد ميزانية الطليعة.
- الاحتفاظ بالسجلات المالية ومستندات الصرف.
- جمع الاشتراكات من أعضاء الطليعة.
- مساعدة أمين صندوق الفرقة.
5/ مسؤول العهدة :
- يحتفظ بسجل عهدة الطليعة.
- حفظ الأدوات والمعدات الخاصة بالطليعة وإبقائها في حالة جيدة وصيانتها.
6/ مسؤول المكتبة :
- يشرف على مكتبة الطليعة وفهرستها.
- تنظيم عملية الاستعارة.
- توفير الكتب لمكتبة الطليعة.
7/ مسؤول الرحلات :
- إعداد برامج الرحلات الخاصة بالطليعة.
- إعداد تقارير الرحلات والزيارات.
- معاونة قائد الفرقة في تخطيط وتنفيذ رحلات الفرقة.
8/ بلبل الطليعة :
- اختيار ونظم الأناشيد والصيحات وتدريب أعضاء الطليعة عليها.
- قيادة الطليعة في أناشيدها وصيحاتها وهتافاتها.
بالإضافة إلى المهام والمسؤوليات المذكورة هناك بعض المهام يتولاها الكشافة من ذوي المهام الخاصة كمهام وقتية أثناء تنفيذ الأنشطة وهي (المسعف، الطاهي، المسامر).
اجتماعات الطليعة :
تجتمع الطليعة مرة كل أسبوع أو أسبوعين بقيادة العريف ولا يزيد الاجتماع على الساعة والنصف، ولكي يكون الاجتماع ناجحاً وفعالاً يجب مراعاة التالي:
- عقد الاجتماع في المكان المناسب، مثل منزل العريف أو أحد أفراد الطليعة، أو المدرسة، أو الحديقة العامة.
- الإعداد المسبق للاجتماع وتوزيع المسؤوليات على أفراد الطليعة.
- اختيار الوقت المناسب لعقد الاجتماع بما يتناسب وظروف أفراد الطليعة.
- أن يتم الاجتماع في جو من المرح والسعادة.
ركن الطليعة :
ركن الطليعة هو المقر الخاص بها وملتقى أعضائها .. يهتمون بمظهره اللائق الذي يعطي صورة إيجابية على الطليعة من خلال ترتيبه وتزيينه، ويتم عرض منتجاتها وأعمالهم وهواياتهم، ويكون علم الطليعة في مكان بارز منها، وتتمثل أهمية وجود ركن خاص بكل طليعة في ترسيخ الانتماء للجماعة والحرص على إبراز نشاطها وبث روح التنافس الشريف بين الطلائع داخل الفرقة الواحدة مما يؤدي إلى تحقيق أهدافها المنشودة.
ثانيا : المفهوم البيداغوجي لنظام الطلائع :
إذا كان مفهوم الطليعة المتداول بين الكشافة، والذين يقومون بالتفاعل مع توزيعها وحركيتها، يتعايشون داخلها بكل بساطة، فإن المفهوم البيداغوجي، يوضح ويشرح الأبعاد التربوية التي تحققها المجوعة.
اتخذت الحركة الكشفية المجموعة الصغيرة وسيلة كي يعمل فيها الأفراد ويتفاعلون داخلها، على اعتبار أنها مكون ضروري للطريقة الكشفية. وأساس عضوية الفرد بالجماعة هي عضوية فعالة ومفيدة للاثنين معا في آن واحد. يعتبر نظام الطلائع نظاما اعتمدته الحركة من أجل حث الفرد على الانتماء في إحدى الجماعات حسب مرحلته العمرية وحسب التجارب الكشفية التي سيعيشها داخل (السداسية-الطليعة-الدورية).
ومعظم التعريفات التي تناولت مفهوم الجماعة، وبالخصوص الجماعة الصغيرة أكدت على أنها تشكل وحدة اجتماعية تتكون من مجموعة من الأفراد، يحصل بينهم تفاعل اجتماعي متبادل، في إطار علاقة واضحة وصريحة تجمعهم أهداف واحدة. وبواسطة توزيع المهام على الأعضاء يتم تدريبهم على التسيير الذاتي وتحمل المسؤولية والمشاركة في اتخاذ القرار و الاعتماد على النفس والتعاون مع الآخرين وتنمية مهارات القيادة لذا جل الأعضاء المكونين للجماعة. من خلال مجموعة من المعايير والقيم الخاصة بها والتي تحدد سلوك أفرادها، على الأقل الأمور التي تخص الجماعة، سعيا لتحقيق هدف مشترك (23).
ويأخذ منهج الحركة الكشفية عن علم النفس الاجتماعي مفهوم الجماعة المرجعية لتصبح بالنسبة للفرد المنتمي للتنظيم الكشفي الجهة التي يرجع لها في تقييم سلوكه الاجتماعي، وهذا ما تنشده الحركة من اعتمادها على هذا العنصر الفعال في دعم العلاقات و الاتصال بين الأفراد والجماعات المكونة لهيكلة الفرق والوحدات الكشفية. إنها الجماعة (الطليعة) التي يرتبط بها الفرد نفسه أو يأمل في الارتباط بها، ويتأثر الفرد بالأفراد الآخرين والجماعات التي ينتمي إليها بمعاييرها واتجاهاتها، التي تكون منظومة الحركة.
لقد اختارت الحركة عنصر الجماعة وضمنته في طريقتها المميزة لكون الجماعة المرجعية هي تلك الجماعة التي يلعب فيها الفرد أحب الأدوار الاجتماعية إلى نفسه وأكثرها إشباعا لحاجاته (24)، وهذا فعلا ما يجده داخل الجماعة الكشفية وما يحياه معها من خلال مشاركته لها في الدوافع والميول والاتجاهات لدرجة توحده مع الجماعة عبر تمثل قيمها ومعاييرها وأهدافها.
وتصل دورة ارتباط الأطفال بالجماعة (الطليعة) خلال شعورهم بالانتماء والولاء لها والتمسك بعضويتها، وبذلك يصبح الأفراد يتحدثون عن الطليعة أكثر ما يتحدثون عن ذواتهم. وهذا ما يجعل تماسك الجماعة يؤدي إلى تقارب الأفراد فيما بينهم لدرجة بث الروح المعنوية الجماعية والإتحاد والقوة والإنتاج والعمل الجماعي بروح الفريق، و الإندماج في العمل المتكامل الذي تتيحه جاذبية الجماعة للأفراد.
يلتقي تعريف (فوليت) Follett 1949 مع الحركة الكشفية في تعريف الجماعة ودور العناصر القيادية بها إذ يقول: "قائد الجماعة يوجه أعضاءها للعمل ولتولي المسؤولية الملقاة عليهم وهو لا يفعل ذلك عن طريق التفكير عوضا عنهم، وإنما يجعلهم يتحملون مسؤولياتهم عن طريق حملهم على التفكير بأنفسهم" (25) وهذا هو نفس المفهوم التي وضعته الحركة الكشفية لمفهوم الجماعة الصغيرة، والذي تحث فيه على ضرورة إشراك الأفراد بها بنفس المواصفات التي يصفها (فوليت) قصد إنعاش روح الجماعة لدى كل فرد داخل المجموعة.
يتجلى أثر اندماج الفرد ضمن الجماعة المتكونة من الأقران، من خلال ما تتيحه الطليعة للأفراد من فرص حقيقية لاكتشاف قدراتهم وخبراتهم ودوافعهم ومختلف أنشطتهم التي تجذب اهتمامهم. ومن خلال تجمعهم وتفاعلهم فيما بينهم تتاح لهم الفرصة للدوافع السلوكية في التعبير عن ذاتها، لدرجة يؤثر فيها السلوك الصادر عن فرد في سلوك فرد آخر أو في سلوك الآخرين (26). وبذلك تسعى القوى المحركة لنشاط الجماعة، بناء على مبادرة كل عضو فيها بمفرده كي تنسجم في الأخير مع مصالح الجماعة. وهذا ما تنشده الحركة الكشفية، هو خلق نوع من التوازن بين شخصية الفرد كوحدة اجتماعية، وبين روح الجماعة. من خلال بث قيم التعاون بين عناصرها قصد بلوغ ضمانات كافية، كي تستطيع تأدية واجبها في خدمة وتنمية المجتمع.
ومن أبرز الخصائص التي تتميز بها الجماعة الصغيرة المكونة من الأقران التي تسمى بالطليعة في الحركة الكشفية، أنها تمكن الأفراد من نسج علاقات ذات طابع استمراري يتم عبر لقاءات أثناء مواعيد منتظمة، خلال الأنشطة التي يساهمون جميعا في إعدادها وتنفيذها هذه الاستمرارية مقرونة بمجموعة متكاملة من التنظيمات والقوانين التي يتم التعامل عبرها، عند عقد المجالس واللقاءات، وتتم كذلك عن طرق توزيع المهام فيما بين أفرادها قصد تغطية حاجيات الجماعة. ويصبح أثر هذا التفاعل الإيجابي جزءا من كيان الفرد وسلوكه الديناميكي، المؤدي إلى خدمة مصالح الجماعة والحفاظ على استمرار تواجدها.
تسعى الحركة الكشفية من خلال إدماج الفرد داخل الجماعة إلى بث روح المشاركة الوجدانية لتأصيل الروابط بين الأعضاء، وليمتد إلى مختلف الجماعات التي تنتمي لنفس الوحدة أو لنفس الفرقة أو نفس التنظيم، ليأخذ امتداده إلى محيطه الاجتماعي، وهو الأمر الذي يدعم مبدأ "الكشاف أخ لكل كشاف وصديق الجميع" (27) الذي يبعد الأفراد عن شوائب الذاتية المفرطة.
و يعتزز هذا الانتماء الإيجابي للأفراد تجاه طليعتهم من خلال احتكاكهم الفعال أثناء مزاولة الأنشطة وأثناء تفكيرهم لحل المشاكل ومواجهة الإكراه التي تواجهه الجماعة. عبر أسلوب عملهم ذو البعد الجماعي الصرف، الذي تتلاحم وتنصهر فيه كل طاقات الأفراد لتشكل طاقة جماعية قوية تستطيع أن تتحدى بها مختلف المصاعب التي تواجهها، وذلك تحت إشراف وتوجيه قادتهم المباشرين.
وتتوخى الحركة من عنصر "العمل داخل جماعات صغيرة " بلوغ ما يسميه علماء النفس الاجتماعي الشعور بالذات الجماعية (28)، وتقوم هذه الذات المتلاحمة ببلورة مفهوم التعاون وتفعيله خلال أعمال المجموعة، أو خلال المنافسة الشريفة التي تتضمنها فقرات البرنامج المتنوعة التي يمارسها الكشافة.
المجموعة الكشفية :
المجموعة الكشفية جماعة بيداغوجية هيكلها ومكوناتها معدة بشكل مسبق عن تكوينها من طرف الأفراد لكونها تشكل وفق مكونات المنهاج التربوي الكشفي الذي يعتبر الجماعة الصغيرة أداة أساسية لتفعيل المكونات الأخرى التي تحتوي عليها الطريقة الكشفية. فهي مكونة من الأقران حسب مراحل عمرهم، و تتم بطريقة اختيارية بعيدة عن الإجبار ، و هي متجانسة تجتمع أفرادها حول وحدة الأنشطة المشوقة، و تتصف بالاستمرارية النسبية. هذه العناصر تعطيها نوعاً من الدينامكية في العلاقات بين أعضائها حيث تؤثر الجماعة على سلوك الفرد و توجهه في اتجاه أهداف الحركة، وتدمجه في منظومة القيم التي تؤطر السلوك والممارسات في غاية أن تجعله فرداً واعياً بمسؤولياته الفردية و الاجتماعية.
و بذلك يحدد مفهوم الجماعة الكشفية بنفس الصيغة التي يتحدد بها المفهوم داخل الحقل البيداغوجي، على أنها جماعة صغيرة مشكلة لبناء وضعية تعلم يتمكن من خلالها الفرد لتحقيق أهدافه و إشباع رغباته التي يتحقق عن طريقها الهدف التربوي المنشود من تكوين الجماعة نفسها.
و بناءً على ذلك يمكن تصنيفها على أنها جماعة بيداغوجية متميزة يسري عليها التعريف التالي:" إنها وحدة اجتماعية تتكون من ثلاثة أشخاص فأكثر، يتم بينهم تفاعل اجتماعي و علاقات اجتماعية، و تأثير انفعالي و نشاط متبادل على أساسه تتحدد الأدوار و المكانة الاجتماعية لأفراد الجماعة، وفق معايير وقيم اجتماعية إشباعا لحاجيات أفرادها و رغباتهم وسعياً لتحقيق أهداف الجماعة"(29). هذا التعريف ينسجم على نظام الطلائع مع إضافة القصدية في تكوين الجماعة والبعد البيداغوجي المتضمن بالطريقة الكشفية التي تكون أهم عناصر المنهاج التربوي الكشفي، الذي يسعى أن تكون الجماعة نفسها نشاطاً حياً، تنمو و تتطور كجماعة و يتداعى تطورها على الأفراد.
يساهم نمط حياة المجموعات الصغيرة (نظام الطلائع) على فتح فرص حقيقية للأفراد لاكتشاف أنفسهم وتحمل المسؤولية، الشيء الذي يمكنهم من تنمية شخصياتهم وإكسابهم الكفاءة والقدرة على الاعتماد على الذات والتعاون مع الآخرين، وتنمية الصفات القيادية لديهم (30). تحت توجيه الكبار ومساعدتهم لهم وفق تنظيم هيكلي متماسك، مع الحرص على أن يكون تقدير الطفل لنفسه متوازنا. كما يتطلب الأمر من القادة الحرص على أن لا ينقص هذا التقدير الذاتي، من خلال حرصهم على ألا ينصبوا أنفسهم أسيادا مطلقين (31) على الأطفال الذين تحت إشرافهم.
الشعور بالتفوق لدى الفرد داخل الجماعة الصغيرة التي ينتمي إليها، ليس مجرد نوع من التمييز الفردي الذي يجعل صاحبه يشعر بالغرور والتعالي و الاعتزاز بالنفس أكثر من اللازم أمام أقرانه، بل يصير التفوق الفردي نوع من التمييز الجماعي الذي تفخر به الجماعة (الطليعة) عند مزاولة الأنشطة والمنافسة والسعي للترقي، حيث يأخذ التفوق والتميز الفردي بعدا تربويا واجتماعيا، لكون العضو الحاصل على مستوى معين من التفوق الفعلي يحضا بالإعجاب و الحظوة والمكانة المرموقة بين أفراد جماعته، الذي يقدم لها بذلك التميز في نفس الوقت دعما ومكانة بين المجموعات. فالاعتزاز بالتفوق و بالانتصار يشعر به الفرد بنفس النشوة الذي تشعر به الطليعة، كما أنها تنال نفس القدر من الاعتزاز عندما تنال شرف الحصول على الشارات المتميزة، سواء التي يضعها العضو على صدره بافتخار وزهو على زيه الكشفي، الذي يزينه بتلك الشارات التي تعكس مجهوداته وخبراته ومهاراته. كما تضعها الطليعة في شعارها الجماعي (علم الطليعة الذي درج على تسميته بالمغرب باسم "الفانيو") الذي تنضاف إلى شارات التفوق والترقي الذي حصل عليها باقي الأعضاء في مناسبات سابقة. وبذلك تصبح فرحة التفوق فرحتين الأولى فردية والثانية جماعية.
والبعد الذي تنشده الحركة الكشفية من خلال الانتماء للجماعات الصغيرة أن تدفع بالفرد المنتمي إليها إلى التقدم المستمر وإلى الارتقاء عبر الدرجات الكشفية، التي تشرف الفرد وتشرف الجماعة.
وعليه فهي تقدم له الدعم والمساندة المعنوية والمادية، وتعمل كل ما في وسعها كي يتمكن من تخطي الصعوبات ومواجهة الإكراهات التي تكون بمثابة عقبة أمام بلوغه درجة الترقي التي تتضمنها سلسلة درجات التقدم، التي يجتازها الفرد من أجل الحصول على المراتب الكشفية. هذا البعد يعطي إيمانا وثقة للفرد بذاته وبإمكانياته وقدراته، سواء التي يوظفها بشكل تفريدي عند تخطيه درجات التقدم، أو التي يوظفها في إطارها الجماعي المتسم بالتعاضد والتلاحم بين كل أعضاء الجماعة، الذي يسعى من خلاله كل الأفراد أن تحصل الطليعة على الحظوة والمكانة الرفيعة بين باقي الجماعات التي تتفاعل معها طليعته وتتنافس معها تنافسا شريفا، الذي تكون الغاية منه الاستغلال الأمثل لجل الطاقات والقدرات والإمكانيات المختلفة الفردية والجماعية من أجل التطور والترقي والتحسن بوثيرة مستمرة.
لكن التخلي عن دور الجماعة في خلق هذه الروح الجماعية، خصوصا في زمن طغت فيه الفردانية بشكل متوحش، والاكتفاء بالأنشطة الجماعية العامة، دون إعطاء فرصة للأفراد في الانضمام إلى جماعات صغيرة من الأقران في إطار ديناميكي مقصود للتعبير عن دواتهم الفردية ودواتهم الجماعية في جو التوافق والتعاضد والتكامل والتطور الذاتي، فإن ذلك يفقد الحركة الكشفية أبرز نظام يميزها وهو نظام الطلائع.
و بذلك تفقد حركية الحركة رونقها الذي يدعمه العمل الجماعي المتناسق. و يعد هذا التخلي أكبر الأخطاء التي يسقط فيها الممارسون للنهج التربوي الكشفي تغافلهم على قيمة إشراك الفرد داخل الجماعة، وقيمة عمل الجماعة ذاتها. ويصبح هؤلاء القادة يمارسون تأطيرا مباشرا على الأفراد، الشيء الذي يجعلهم عبارة عن متلقين معطلي القدرة، سلبيين يستهلكون فقرات ومواد يقدمونها لهم جاهزة، معتقدين أنهم يدركون جيدا حاجيات الأفراد ويسعون إلى تلبيتها لهم دون إدماجهم الحقيقي فيها. وبذلك يتم تعطيل قدراتهم واستعداداتهم ومهاراتهم التي تبحث عن منفذ لإبرازها و صقلها.
وانطلاقا من هذا النوع من الأخطاء ندرك أن مفهوم تأطير الكشافة حسب مختلف أعمارهم لم يتم استيعابه جيدا، ولم يتم إدراكه أو على الأقل تمريره للقادة الذين يتلقون تداريب ودورات تكوينية، وهذا يترك الفرصة للفراغ في ضبط التقنيات الكشفية المطلوبة في عملية التأطير المباشر، وهذا الفراغ يؤدي إلى الإجتهاد في البدع التي ليس لها علاقة بالتربية التي تنشدها الحركة، ويؤدي ذلك إلى تحوير الطريقة الكشفية وإدخال تشوهات عليها.
تكوين الجماعة بالحركة الكشفية:
تتشكل الجماعة في الحقل البيداغوجي على أنها جماعة تقنية تكوينية إعداد أوضاع تعلم معينة حسب الأهداف المرسومة. تصنف الجماعة داخل الحركة بأنها جماعة خاضعة لمعايير مؤسساتية، لكنها في الحقيقة فهي نظامية تشكل بطريقة غير نظامية لكونها تختلف عن جماعة القسم أو جماعة العمل...يمكن اعتبارها جماعة غير نظامية لكونها غير خاضعة لمعايير مؤسساتية بشكلها الرسمي. لكنها تتوفر على بعض الضوابط و القواعد التنظيمية بشكل مسبق عن تشكلها. فهي تستقي مقوماتها من دينامكيتها الخاصة، المرتبطة بتكوينها المخطط له سلفاً و تعمل الجماعة وفق طبيعة العلاقة التي تربط الأعضاء فيما بينهم من خلال سياق ترابطهم و هي تحقيق الأهداف المتمثلة لديهم في الأنشطة والتنافس و المغامرة و التحدي.
إذا أردنا وصف هذه الجماعة وفق تصنيف محدد فإننا سنكون مضطرين إلى الرجوع إلى مكوناتها و طبيعة تجمعها و طريقة تفاعلها، و سنعمل إلى أن نسميها جماعة كشفية بطابعها الخاص التي يرسمها هدف الحركة و مبادئها و يعطيها تفردها الإطار الرمزي للحركة...
العلاقة التي تربط الأفراد فيما بينهم هي علاقة متميزة عن العلاقات التي تربط الأعضاء داخل أي جماعة أخرى. لكونها تتم في سياق بيداغوجي موجه حيث يبحث الفرد عن مجموعة متجانسة من الأقران، تجمعهم وحدة الهدف المتمثلة في تحقيق الإشباع لحاجيات الفتية و الشباب من أنشطة مشوقة جذابة تدفع بهم إلى جعل جماعتهم قوية متماسكة لتحقيق النجاح في مختلف مجالات الأنشطة و البرامج التي يشتركون فيها.
الجماعة بهذا الوصف أو ما يسمى بنظام الطلائع، هو نظام لجماعة توجد في تفاعل مستمر مع جماعات أخرى تتقاسم معهم نفس الأنشطة، و تدخل معهم في منافسات شريفة من خلال تفعيل أقصى طاقاتهم و خبراتهم و مهاراتهم و جل مكتسباتهم لتحقيق متعة المغامرة و الاكتشاف و التحدي، و لبلوغ أهدافهم المشتركة في إطار رمزي يعطي للجماعة تميزها و تفردها من الجماعات الأخرى في سياق تربوي يهدف إلى تحقيق الأهداف التالية :
الانصهار السريع و الجيد مع مجموعة الأقران.
نسج صداقات جديدة عن طريق التفاعل داخل الجماعة.
التعود على الروح الجماعية.
تعلم معايير السلوك الاجتماعي.
تبادل الخبرات و التجارب و المهارات و المشورة بين أفراد الجماعة
الإيمان بالتحتم جهد الفرد مع جهد الجماعة لتحقيق المشاريع المشتركة.
تعلم تقنيات التواصل الإنساني الفعال.
تتصف الجماعة الكشفية بالاستمرارية ( النسبية )، إلى حين الانتقال إلى مرحلة عمرية موالية. بعض الأعضاء ينتقلون إلى مرحلة لاحقة و يعوضهم آخرون مع استمرار الجماعة بصفتها المعنوية. فغالباً ما يلتحق الفرد بجماعة مشكلةٌ سلفاً لينضم إليها ليجد مكانته الاعتبارية و مهمته الوظيفية في انتظاره بالجماعة الجديدة، و هذا من بين العناصر التي تجعل الفرد داخل الجماعة الكشفية ينصهر مع أفرادها بسرعة ويندمج في مشاريعها وأنشطتها باعتباره فرداً من الجماعة الموحدة.
و في حالة احتياج المجموعة ( الطليعة) لفرد ما، فإنها تبحث عمن تضمه إليها وفق معاييرها كجماعة، التي يقبل بها الفرد المنخرط الذي يجد انتظاراته و توقعاته داخلها و التي تتلاءم مع تمثلاته الشخصية.
الجماعة الصغيرة بالحركة الكشفية ( الطليعة) تتكون بشكل ديناميكي تساهم فيه الجماعة ويساهم فيها الفرد المنخرط بتوجيه الكبار، و كل جماعة تعيش مخاضها و تكونها في سياق تربوي خاص بها، تسعى من خلاله ضمان الكفاءة الموضوعية للجماعة التي تجعل منها جماعة قادرة على المنافسة التربوية الموجهة.
الحركية التي تتحكم في تكوين الجماعة الكشفية رغم تميزها كجماعة بيداغوجية، فإنها تتقاطع مع خصائص بناء الجماعة في عموميتها من خلال النظر إليها من زوايا متعدد ة كما اقترحها كل من كارترايت و زاندر Cartwright et zander كالآتي:
o من خلال العلاقات الاجتماعية المبنية على أساس الاختيار والتجاذب أو الرفض والتنافر و القبول، و تلعب العلاقة المتبادلة بين أفراد الجماعة أثرا كبيراً في بنائها.
o من خلال بناء الاتصال الاجتماعي الذي يتم عبر الطرق و الوسائل المستعملة بين أفراد الجماعة. و التأثير و التأثر الذي يحصل من جراء نوعية التواصل و طبيعته، المحدد لنمط الاتصال و بعض العوامل الثقافية.
o من خلال بناء القوة الاجتماعية، عبر السلطة النسبية للأدوار الاجتماعية، و التي تأخذ طابع القدرة على تولي المهام و النجاح فيها، لأن درجة التقويم بالطليعة قوية جداً ولا تترك الفرصة للفرد للاستمرار في مهمة فشل في تنفيذها.
o من خلال بناء الحركية الاجتماعية، أي عبر إمكانية انتقال و ترقي الأفراد من مركز إلى آخر أرقى منه. مما يكون له أثر على جاذبية المراكز المختلفة و على الروح المعنوية في الجماعة. بالطليعة مهام مختلفة يتم تداولها بطريقة دقيقة قابلة للقياس والملاحظة وللتقييم. فالأحقية هي المقياس بموازاة مع التوافق الجماعي في توزيع المهام.
توازن شخصية الفرد داخل المجموعة تتطلب منه أن يكون مشاركاً في حياة الجماعة مشاركة فعالة تتسم بالإنتاجية عبر الانخراط في المبادرة و الإبداع والإجهاد، كي يشعر بموقعه داخلها وواعياً بحاضره ومطمئناً على علاقاته المستقبلية.
